في صباح بارد، كانت ليلى تقف وحيدة في الحديقة المهملة، تحاول تنظيف الأعشاب الجافة التي غطّت المكان، وكأنها تحاول يائسة تنظيف حياتها من الفوضى التي أفسدتها. الشمس بالكاد أشرقت، لكنها شعرت بأن الظلام يحيط بها في كل جانب. كانت هذه الحديقة صورة مصغرة لعلاقتها بيول: مكان فقد نضارته وامتلأ بالأشواك.
سمعت خطواته قبل أن تراه. لم ترفع رأسها، لكنها شعرت بثقله يتسلل إلى المكان. توقعت كلماته الباردة قبل أن ينطق بها، وتمنّت لو لم تكن هنا لتسمعها.
"أخيرًا قررتِ أن تفعلي شيئًا مفيدًا." قال بصوته الجاف، بينما كانت عيناه تتفحصان الحديقة بازدراء.
توقفت ليلى عن العمل، ورفعت رأسها ببطء. "إن كنت ترى ذلك مفيدًا، ربما يجب أن تفعلها أنت بنفسك."
رفع حاجبيه ببرود وألقى عليها نظرة طويلة. "لا أطلب منك الكثير، ليلى. مجرد أن تكوني شخصًا يعرف كيف يُصلح ما أفسده."
شعرت كلماته كأنها خنجر يغرس في قلبها. استقامت واقفة، والغضب يتصاعد بداخلها. "كفى يا يول. كفاك إلقاء اللوم عليّ! كل ما تقوله يجعلني أكره نفسي أكثر، وأكرهك أكثر."
ابتسم ابتسامة ساخرة. "أوه، إذن أصبحتِ تكرهينني؟ لم أكن أعلم أنني مسؤول عن أفعالك المخزية."
"المشكلة ليست فقط في أفعالي!" صرخت ليلى، صوتها يتشقق تحت وطأة الغضب. "المشكلة فيك أنت، في تصرفاتك، في تحكمك، في نظرتك لي وكأنني لا أساوي شيئًا."
اقترب يول بخطوات بطيئة وثابتة. "لدي كل الحق في التحكم بك. لقد كنتِ زوجتي. أنتِ لي، ولي وحدي."
تراجعت خطوة إلى الوراء، نظرتها تمتلئ بالازدراء. "وأنا؟ هل فكرت يومًا أنني إنسانة؟ أن لي إرادة ومشاعر؟ ربما خنتك لأنك لم ترني سوى دمية تتحكم بها."
كانت كلماتها كسوط يجلده على وجهه، لكنه لم يتحرك. بدلاً من ذلك، ضحك ضحكة قصيرة خالية من أي دفء. "حتى لو كنتِ على حق، هذا لا يبرر خيانتك. ولن أنسى ما فعلتِ."
"وأنا لن أنسى طريقتك في معاملتي." قالت ليلى بصوت منخفض لكنه مليء بالتحدي. "لن أنسى كيف قتلت كل شعور جميل بداخلي."
**الشرخ يزداد عمقًا**
مرت الأيام باردة كالشتاء الذي لا ينتهي. لم يعد هناك كلام بينهما، بل نظرات مليئة بالكراهية والتحدي. كل كلمة كانت تحمل تحتها قنبلة موقوتة، وكل لحظة كانت تضيف طبقة جديدة من الجفاء بينهما.
في إحدى الليالي، وبينما كان يول يجلس في مكتبه منهمكًا في عمله، قررت ليلى مواجهته مرة أخرى. لم تعد تستطيع احتمال هذا الوضع الذي يقتلها ببطء.
فتحت الباب دون أن تطرقه، لتجده مستغرقًا في الكتابة. لم يرفع عينيه لرؤيتها، وكأن وجودها غير مهم.
"يول، علينا أن نتحدث." قالت بحزم.
توقف عن الكتابة، وألقى القلم على الطاولة بعصبية. "إذا كنتِ هنا لتلقي محاضرة جديدة عن كراهيتي، فوفري كلامك."
تقدمت ليلى ببطء نحوه، لكنها لم تجلس. "أنا لست هنا للجدال. أنا هنا لأنني تعبت."
"وأنا؟" قال ساخرًا. "تظنين أنني أعيش براحة؟"
"هذا ليس عنك فقط!" صرخت ليلى فجأة. "أنا أكره هذا الوضع. أكره أنك تكرهني، وأكره أنني أكرهك. نحن ندمر بعضنا ببطء، و—"
قبل أن تكمل كلماتها، نهض يول فجأة من كرسيه، واقترب منها بسرعة حتى كادت تشعر بأنفاسه.
"وتكرهينني؟" قال بهدوء مميت، لكن عينيه كانتا تشتعلان.
"نعم!" ردت بصوت مختنق، لكنها لم تتحرك للخلف.
كانت لحظة صامتة، ثقيلة، وكأن الهواء بينهما انحبس. فجأة، ومن دون سابق إنذار، أمسك يول بوجهها بيديه، وقبل أن تستوعب ما يحدث، أطبق شفتيه على شفتيها بقوة.
كانت قبلة مليئة بالغضب، بالكراهية، ولكن في عمقها، كان هناك شيء آخر. شيء خفي، مدفون تحت الجراح. حاولت ليلى دفعه بعيدًا، لكن قوتها خذلتها. كانت الكراهية تغمرها، لكنها لم تستطع تجاهل الدفء الذي اجتاحها للحظة.
**اللحظة المقطوعة**
قبل أن تنكسر اللحظة أو تستمر، انفتح باب المكتب فجأة، وظهر أحد أفراد العائلة يقف في حالة من الصدمة.
"آه... أنا آسف!" قال الشخص بسرعة، وهو يبتعد على الفور، تاركًا الباب مفتوحًا خلفه.
تباعدت ليلى عن يول بسرعة، يداها ترتجفان ووجنتاها تشتعلان بالحرج والغضب. أما يول، فقد وقف متجمدًا للحظة، قبل أن يمرر يده على شعره بعصبية.
"ما الذي كنت تفعله؟" صرخت ليلى أخيرًا، عيناها تشتعلان بالكراهية التي عادت أقوى مما كانت.
"أنتِ من بدأتِ بالحديث عن الكراهية!" رد يول، وكأنه يحاول تبرير فعلته، لكن صوته كان يحمل اضطرابًا غير مألوف.
"هذا ليس حلًا!" قالت بغضب، وهي تغادر المكتب مسرعة، تاركة يول يقف في منتصف الغرفة، وقد بدأ يدرك أن تلك اللحظة قد غيّرت كل شيء بينهما.
> **نهاية الفصل:**
25تم تحديث
Comments